فصل: ذكر مسير عسكر خراسان إلى جرجان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)



.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة اصطلح معز الدولة وأبو القاسم البريدي، وضمن أبو القاسم مدينة واسط وأعمالها منه.
وفيها اشتد الغلاء ببغداد حتى أكل الناس الميتة، والكلاب، والسنانير، وأخذ بعضهم ومعه صبي قد شواه ليأكله، وأكل الناس خروب الشوك فأكثروا منه، وكانوا يسلقون حبه ويأكلونه، فلحق الناس أمراض وأورام في أحشائهم، وكثر فيهم الموت، حتى عجز الناس عن دفن الموتى، فكانت الكلاب تأكل لحومهم، وانحدر كثير من أهل بغداد إلى البصرة، فمات أكثرهم في الطريق، ومن وصل منهم مات بعد مديدة يسيرة، وبيعت الدور والعقار بالخبز، فلما دخلت الغلات انحل السعر.
وفيها توفي علي بن عيسى بن داود بن الجراح الوزير وله تسعون سنة، وقد تقدم من أخباره ما يدل على دينه وكفايته.
وفيها توفي أبو القاسم عمر بن الحسين بن عبدالله الخرقي الفقيه الحنبلي ببغداد، وأبو بكر الشبلي الصوفي، توفي في ذي الحجة، ومحمد بن عيسى أبو عبدالله، ويعرف بابن أبي موسى الفقيه الحنفي، في ربيع الأول. ثم دخلت:

.سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة:

في هذه السنة، في المحرم، استقر معز الدولة ببغداد، وأعاد المطيع لله إلى دار الخلافة، بعد أن استوثق منه، وقد تقدم ذلك مفصلاً.
وفيها اصطلح معز الدولة وناصر الدولة، وكانت الرسل تتردد بينهما بغير علم من الأتراك التوزونية، وكان ناصر الدولة نازلاً شرقي تكريت، فلما علم الأتراك بذلك ثاروا بناصر الدولة، فهرب منهم وعبر دجلة إلى الجانب الغربي، فنزل على ملهم والقرامطة، فأجاروه، وسيروه ومعه ابن شيرزاد إلى الموصل.

.ذكر حرب تكين وناصر الدولة:

لما هرب ناصر الدولة من الأتراك، ولم يقدروا عليه، اتفقوا على تأمير تكين الشيرازي، وقبضوا على ابن قرابة، وعلى كتاب ناصر الدولة ومن تخلف من أصحابه، وقبض ناصر الدولة على ابن شيرزاد عند وصوله إلى جهينة، ولم يلبث ناصر الدولة بالموصل بل سار إلى نصيبين، ودخل تكين والأتراك إلى الموصل، وساروا في طلبه، فمضى إلى سنجار، فتبعه تكين إليها، فسار ناصر الدولة من سنجار إلى الحديثة، فتبعه تكين.
وكان ناصر الدولة قد كتب إلى معز الدولة يستصرخه، فسير الجيوش إليه فسار ناصر الدولة من الحديثة إلى السن، فاجتمع هناك بعسكر معز الدولة، وفيهم وزيره أبو جعفر الصيمري، وساروا بأسرهم إلى الحديثة لقتال تكين، فالتقوا بها، واقتتلوا قتالاً شديداً، فانهزم تكين والأتراك بعد أن كادوا يستظهرون، فلما انهزموا تبعهم العرب من أصحاب ناصر الدولة، فأدركوهم وأكثروا القتل فيهم، وأسروا تكين الشيرازي وحملوه إلى ناصر الدولة، فسلمه في الوقت فأعماه، وحمله إلى قلعة من قلاعه فسجنه بها.
وسار ناصر الدولة والصيمري إلى الموصل، فنزلوا شرقيها، وركب ناصر الدولة إلى خيمة الصيمري، فدخل إليه ثم خرج من عنده إلى الموصل، ولم يعد إليه، فحكي عن ناصر الدولة أنه قال: ندمت حين دخلت خيمته، فبادرت وخرجت.
وحكي عن الصيمري أنه قال: لما خرج ناصر الدولة من عندي ندمت حيث لم أقبض عليه؛ ثم تسلم الصيمري بن شيرزاد من ناصر الدولة ألف كر حنطة وشعيراً وغير ذلك.

.ذكر استيلاء ركن الدولة على الري:

لما كان من عساكر خراسان ما ذكرناه من الاختلاف، وعاد أبو علي إلى خراسان، رجع ركن الدولة إلى الري واستولى عليها وعلى سائر أعمال الجبل وأزال عنها الخراسانية، وعظم ملك بني بويه، فأنهم صار بأيديهم أعمال الري، والجبل، وفارس، والأهواز، والعراق، ويحمل إليهم ضمان الموصل، وديار بكر، وديار مضر من الجزيرة.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة اختلف معز الدولة بن بويه وأبو القاسم بن البريدي والي البصرة، فأرسل معز الدولة جيشاً إلى واسط، فسير إليهم ابن البريدي جيشاً من البصرة في الماء، وعلى الظهر، فالتقوا واقتتلوا، فانهزم أصحاب البريدي، وأسر من أعيانهم جماعة كثيرة.
وفيها كان الفداء بالثغور بين المسلمين والروم على يد نصر الثملي أمير الثغور لسيف الدولة بن حمدان، وكان عدة الأسرى ألفين وأربعمائة أسير وثمانين أسيراً من ذكر وأنثى، وفضل للروم على المسلمين مائتان وثلاثون أسيراً لكثرة من معهم من الأسرى، فوفاهم ذلك سيف الدولة.
وفيها، في شعبان، قبض سيف الدولة بن حمدان على أبي إسحاق محمد القراريطي، وكان استكتبه استظهاراً على أبي الفرج محمد بن علي السر من رائي، واستكتب أبا عبدالله محمد بن سليمان بن فهد الموصلي.
وفيها توفي محمد بن إسماعيل بن بحر أبو عبدالله الفارسي، الفقيه الشافعي، في شوال، ومحمد بن يحيى بن عبدالله بن العباس بن محمد بن صول أبو بكر الصولي، وكان عالماً بفنون الآداب والأخبار. ثم دخلت:

.سنة ست وثلاثين وثلاثمائة:

.ذكر استيلاء معز الدولة على البصرة:

في هذه السنة سار معز الدولة ومعه المطيع لله إلى البصرة لاستنقاذها من يد أي القاسم عبدالله بن أبي عبدالله البريدي، وسلكوا البرية إليها، فأرسل القرامطة من هجر إلى معز الدولة ينكرون عليه مسيره إلى البرية بغير أمرهم، وهي لهم، فلم يجبهم عن كتابهم، وقال للرسول: قل لهم من أنتم حتى تستأمروا، وليس قصدي من أخذ البصرة غيركم، وستعلمون ما تلقون مني.
ولما وصل معز الدولة إلى الدرهمية استأمن إليه عساكر أبي القاسم البريدي، وهرب أبو القاسم في الرابع والعشرين من ربيع الآخر إلى هجر، والتجأ إلى القرامطة، وملك معز الدولة البصرة، فانحلت الأسعار ببغداد انحلالاً كثيراً.
وسار معز الدولة من البصرة إلى الأهواز ليلقى أخاه عماد الدولة، وأقام الخليفة وأبو جعفر الصيمري بالبصرة، وخالف كوركير، وهو من أكابر القواد، على معز الدولة، فسير إليه الصيمري، فقاتله فانهزم كوركير وأخذ أسيراً، فحبسه معز الدولة بقلعة رامهرمز، ولقي معز الدولة أخاه عماد الدولة بأرجان في شعبان، وقبل الأرض بين يديه، وكان يقف قائماً عنده، فيأمره بالجلوس، فلا يفعل، ثم عاد إلى بغداد، وعاد المطيع أيضاً إليها، وأظهر معز الدولة أنه يريد أن يسير إلى الموصل، فترددت الرسل بينه وبين ناصر الدولة، واستقر الصلح وحمل المال إلى معز الدولة فسكت عنه.

.ذكر مخالفة محمد بن عبد الرزاق بطوس:

كان محمد بن عبد الرزاق بطوس وأعمالها، وهي في يده ويد نوابه، فخالف على الأمير نوح بن نصر الساماني، وكان منصور بن قراتكين، صاحب جيش خراسان، بمرو عند نوح، فوصل إليهما وشمكير منهزماً من جرجان، وقد غلبه عليها الحسن بن الفيرزان، فأمر نوح منصوراً بالمسير إلى نيسابور، ومحاربة محمد بن عبد الرزاق وأخذ ما بيده من الأعمال، ثم يسير مع وشمكير إلى جرجان، فسار منصور ووشمكير إلى نيسابور، وكان بها محمد بن عبد الرزاق، ففارقها نحو أستوا، فاتبعه منصور، فسار محمد إلى جرجان، وكاتب ركن الدولة بن بويه، واستأمن إليه، فأمره بالوصول إلى الري.
وسار منصور من نيسابور إلى طوس، وحصروا رافع بن عبد الرزاق بقلعة شميلان، فاستأمن بعض أصحاب رافع إليه، فهرب رافع من شميلان إلى حصن درك، فاستولى منصور على شميلان، وأخذ ما فيها من مال وغيره، واحتمى رافع بدرك، وبها أهله ووالدته، هي على ثلاثة فراسخ من شميلان، فأخرب منصور شميلان، وسار إلى درك فحاصرها، وحاربهم عدة أيام، فتغيرت المياه بدرك، فاستأمن محمد بن عبد الرزاق إلى منصور في جماعة من بني عمه وأهله، وعمد أخوه رافع إلى الصامت من الأموال، والجواهر، وألقاها في البسط إلى تحت القلعة، ونزل هو وجماعة فأخذوا تلك الأموال وتفرقوا في الجبال.
واحتوا منصور على ما كان في قلعة درك، وأنفذ عيال محمد بن عبد الرزاق ووالدته إلى بخارى فاعتقلوا بها، وأما محمد بن عبد الرزاق فإنه سار من جرجان إلى الري، وبها ركن الدولة بن بويه، فأكرمه ركن الدولة، وأحسن إليه، وحمل إليه شيئاً كثيراً من الأموال وغيرها، وسرحه إلى محاربة المرزبان على ما نذكره.

.ذكر ولاية الحسن بن علي صقلية:

في هذه السنة استعمل المنصور الحسن بن علي بن أبي الحسن الكلي على جزيرة صقلية، وكان له محل كبير عند المنصور، وله أثر عظيم في قتال أبي يزيد.
وكان سبب ولايته أن المسلمين كانوا قد استضعفهم الكفار بها، أيام عطاف لعجزه وضعفه، وامتنعوا من إعطاء مال الهدنة؛ وكان بصقلية بنو الطبري من أعيان الجماعة، ولهم أتباع كثيرون، فوثبوا بعطاف أيضاً، وأعيانهم أهل المدينة عليه يوم عيد الفطر سنة خمس وثلاثين وقتلوا جماعة من رجاله، وأفلت عطاف هارباً بنفسه إلى الحصن، فأخذوا أعلامه وطبوله وانصرفوا إلى ديارهم، فأرسل أبو عطاف إلى المنصور يعلمه الحال ويطلب المدد.
فلما علم المنصور ذلك استعمل على الولاية الحسن بن علي، وأمره بالمسير، فسار في المراكب، فأرسى بمدينة مازر، فلم يلتفت إليه أحد، فبقي يومه، فأتاه في الليل جماعة من أهل أفريقية، وكتامة، وغيرهم، وذكروا أنهم خافوا الحضور عنده من ابن الطبري ومن اتفق معه من أهل البلاد، وأن علي ابن الطبري، ومحمد بن عبدون، وغيرهما قد ساروا إلى أفريقية، وأوصوا بنيهم ليمنعوه من دخول البلد، ومفارقة مراكبه إلى أن تصل كتبهم بما يلقون من المنصور، وقد مضوا يطلبون أن يولي المنصور غيره.
ثم أتاه نفر من أصحاب ابن الطبري ومن معه ليشاهدوا من معه، فرأوه في قلة، فطمعوا فيه، وخادعوه وخادعهم، ثم عادوا إلى المدينة، وقد وعدهم أنه يقيم بمكانه إلى أن يعودوا إليه، فلما فارقوه جد السير إلى المدينة قبل أن يجمعوا أصحابهم ويمنعوه، فلما انتهى إلى البيضاء أتاه حاكم البلد وأصحاب الدواوين، وكل من يريد العافية، فلقيهم وأكرمهم، وسألهم عن أحوالهم، فلما سمع إسماعيل بن الطبري بخروج هذا الجمع إليه اضطر إلى الخروج إليه، فلقيه الحسن وأكرمه وعاد إلى داره، ودخل الحسن البلد، ومال إليه كل منحرف عن بني الطبري ومن معهم.
فلما رأى ابن الطبري ذلك أمر رجلاً صقلياً، فدعا بعض عبيد الحسن وكان موصوفاً بالشجاعة، فلما دخل بيته خرج الرجل يستغيث ويصيح ويقول: إن هذا دخل بيتي، وأخذ امرأتي بحضرتي غصباً، فاجتمع أهل البلد لذلك، وحركهم ابن الطبري وخوفهم وقال: هذا فعلهم؛ ولم يتمكنوا من البلد، وأمر الناس بالحضور عند الحسن ظناً منه أنه لا يعاقب مملوكه، فيثور الناس به، فيخرجونه من البلد.
فلما اجتمع الناس، وذلك الرجل يصيح ويستغيث، أحضره الحسن عنده، وسأله عن حاله، فحلفه بالله تعالى على ما يقول، فحلف، فأمر بقتل الغلام، فقتل، فسر أهل البلد وقالوا: الآن طابت نفوسنا، وعلمنا أن بلدنا يتعمر، ويظهر فيه العدل؛ فانعكس الأمر على ابن الطبري، وأقام الحسن وهو خائف منهم.
ثم إن المنصور أرسل إلى الحسن يعرفه أنه قبض على علي بن الطبري، وعلى محمد بن عبدون، ومحمد بن جنا، ومن معهم، ويأمره بالقبض على إسماعيل بن الطبري، ورجاء بن جنا ومحمد، ومخلفي الجماعة المقبوضين، فاستعظم الأمر، ثم أرسل إلى ابن الطبري يقول له: كنت قد وعدتني أن نتفرج في البستان الذي لك، فتحضر لنمضي إليه؛ وأرسل إلى الجماعة على لسان ابن الطبري يقول: تحضرون لنمضي مع الأمير إلى البستان، فحضروا عنده، وجعل يحادثهم ويطول إلى أن أمسوا، فقال: قد فات الليل، وتكونون أضيافنا؛ فأرسل إلى أصحابهم يقول: إنهم الليلة في ضيافة الأمير، فتعودون إلى بيوتهم إلى الغد؛ فمضى أصحابهم، فقبض عليهم، وأخذ جميع أموالهم، وكثر جمعه، واتفق الناس عليه وقويت نفوسهم، فلما رأى الروم ذلك أحضر الراهب مال الهدنة لثلاث سنين.
ثم إن ملك الروم أرسل بطريقاً في البحر، في جيش كثير، إلى صقلية، واجتمع هو والسردغوس، فأرسل الحسن بن علي إلى المنصور يعرفه الحال، فأرسل إليه أسطولاً فيه سبعة آلاف فارس، وثلاثة آلاف وخمسمائة راجل، سوى البحرية، وجمع الحسن إليهم جمعاً كثيراً، وسار في البر والبحر، فوصل إلى مسيني، وعدت العساكر الإسلامية، إلى ريو، وبث الحسن السرايا في أرض قلورية، ونزل الحسن على جراجة وحاصرها أشد حصار، وأشرفوا على الهلاك من شدة العطش، فوصلهم الخبر أن الروم قد زحفوا إليه، فصالح أهل جراجة على مال أخذه منهم، وسار إلى لقاء الروم، ففروا من غير حرب إلى مدينة بارة، ونزل الحسن على قلعة قسانة، وبث سراياه إلى قلورية وأقام عليها شهراً، فسألوه الصلح، فصالحهم على مال أخذه منهم.
ودخل الشتاء، فرجع الجيش إلى مسيني، وشتى الأسطول بها، فأرسل المنصور يأمره بالرجوع إلى قلورية، فسار الحسن، وعدا المجاز إلى جراجة، فالتقى المسلمون والسردغوس ومعه الروم يوم عرفه سنة أربعين وثلاثمائة، فاقتتلوا أشد قتال رآه الناس، فانهزمت الروم، وركب المسلمون أكتافهم إلى الليل، وأكثروا القتل فيهم، وغنموا أثقالهم وسلاحهم ودوابهم.
ثم دخلت سنة إحدى وأربعين فقصد الحسن جراجة فحصرها، فأرسل إليه قسطنطين ملك الروم يطلب منه الهدنة، فهادنه، وعاد الحسن إلى ريو وبنى بها مسجداً كبيراً في وسط المدينة، وبنى في أحد أركانه مأذنة، وشرط على الروم أنهم لا يمنعون المسلمين فهو آمن سواء كان مرتداً أو مقيماً على دينه، وإن أخرجوا حجراً منه هدمت كنائسهم كلها بصقلية وإفريقية، فوفى الروم بهذه الشروط كلها ذلة وصغاراً، وبقي الحسن بصقلية إلى أن توفي المنصور وملك المعز، فسار إليه وكان ما نذكره.

.ذكر عصيان جمان بالرحبة وما كان منه:

كان جمان هذا من أصحاب توزون، وصار في جمة ناصر الدولة بن حمدان، فلما كان ناصر الدولة ببغداد، في الجانب الشرقي، وهو يحارب معز الدولة ضم ناصر الدولة جميع الديلم الذين معه إلى جمان لقلة ثقته بهم، وقلده الرحبة وأخرجه إليها، فعظم أمره هناك، وقصده الرجال، فأظهر العصيان على ناصر الدولة، وعزم على التغلب على الرقة وديار مضر، فسار إلى الرقة فحصرها سبعة عشر يوماً، فحاربه أهلها وهزموه، ووثب أهل الرحبة بأصحابه وعماله، فقتلوهم لشدة ظلمهم، وسوء معاملتهم.
فلما عاد من الرقة وضع السيف في أهلها فقتل منهم مقتلة عظيمة، فأرسل إليه ناصر الدولة حاجبه ياروخ في جيش، فاقتتلوا على شاطئ الفرات، فانهزم جمان، فوقع في الفرات فغرق، واستأمن أصحابه إلى ياروخ، وأخرج جمان من الماء فدفن مكانه.

.ذكر ملك ركن الدولة طبرستان وجرجان:

وفيها، في ربيع الأول، اجتمع ركن الدولة بن بويه، والحسن بن الفيرزان، وقصدا بلاد وشمكير، فالتقاهما وشمكير وانهزم منهما، وملك ركن الدولة طبرستان، وسار منها إلى جرجان فملكها، واستأمن من قواد وشمكير مائة وثلاثة عشر قائداً، فأقام الحسن بن الفيرزان بجرجان، ومضى وشمكير إلى خراسان مستجيراً ومستنجداً لإعادة بلاده، فكان ما نذكره.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة، في صفر، ظهر كوكب له ذنب طوله نحو ذراعين في المشرق، وبقي نحو عشرة أيام واضمحل.
وفيها مات سلامة الطولوني الذي كان حاجب الخلفاء، فأخذ ماله وعياله، وسار إلى الشام أيام المستكفي، فمات هناك، ولما سار عن بغداد أخذ ماله في الطريق ومات هو الآن، فذهبت نعمته ونفسه حيث ظن السلامة، ولقد أحسن القائل حيث يقول:
وإذا خشيت من الأمور مقدّراً ** فهربت منه، فنحوه تتقدّم

وفيها توفي محمد بن أحمد بن حماد أبو العباس الأثرم المقرئ. ثم دخلت:

.سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة:

.ذكر ملك معز الدولة الموصل وعوده عنها:

في هذه السنة سار معز الدولة من بغداد إلى الموصل قاصداً لناصر الدولة، فلما سمع ناصر الدولة بذلك سار عن الموصل إلى نصيبين، ووصل معز الدولة فملك الموصل في شهر رمضان، وظلم أهلها وعسفهم، وأخذ أموال الرعايا، فكثر الدعاء عليه.
وأراد معز الدولة أن يملك جميع بلاد ناصر الدولة، فأتاه الخبر من أخيه ركن الدولة أن عساكر خراسان قد قصدت جرجان والري، ويستمده ويطلب منه العساكر، فاضطر إلى مصالحة ناصر الدولة، فترددت الرسل بينهما في ذلك، واستقر الصلح بينهما على أن يؤدي ناصر الدولة عن الموصل، وديار الجزيرة كلها، والشام، كل سنة ثمانية آلاف ألف درهم، ويخطب في بلاده لعماد الدولة، وركن الدولة، ومعز الدولة بني بويه، فلما استقر الصلح عاد معز الدولة إلى بغداد فدخلها في ذي الحجة من السنة.

.ذكر مسير عسكر خراسان إلى جرجان:

في هذه السنة سار منصور بن قراتكين في جيوش خراسان إلى جرجان، صحبة وشمكير، وبها الحسن بن الفيرزان، وكان منصور منحرفاً عن وشمكير في السير، فتساهل لذلك مع الحسن، وصالحه وأخذ ابنه رهينة.
ثم بلغ منصوراً أن الأمير نوحاً اتصل بابنة ختكين، مولى قراتكين، وهو صاحب بست والرخج، فساء ذلك منصوراً وأقلقه، وكان نوح قد زوج قبل ذلك بنتاً لمنصور من بعض مواليه، اسمه فتكين، فقال منصور: يتزوج الأمير بابنة مولاي، وتزوج ابنتي من مولاه؟ فحمله ذلك على مصالحة الحسن بن الفيرزان وأعاد عليه ابنه، وعاد عنه إلى نيسابور، وأقام الحسن بزوزن، وبقي وشمكير بجرجان.

.ذكر مسير المرزبان إلى الري:

في هذه السنة سار المرزبان محمد بن مسافر، صاحب أذربيجان، إلى الري.
وسبب ذلك أنه بلغه خروج عساكر خراسان إلى الري، وأن ذلك يشغل ركن الدولة عنه، ثم إنه كان أرسل رسولاً إلى معز الدولة، فحلق معز الدولة لحيته، وسبه وسب صاحبه، وكان سفيهاً، فعظم ذلك على المرزبان، وأخذ في جميع العساكر، واستأمن إليه بعض قواد ركن الدولة، وأطمعه في الري، وأخبره أن من وراءه من القواد يريدونه، فطمع لذلك، فراسله ناصر الدولة يعد المساعدة، ويشير عليه أن يبتدئ ببغداد، فخالفه، ثم أحضر أباه وأخاه وهسوذان، واستشارهما في ذلك، فنهاه أبوه عن قصد الري، فلم يقبل، فلما ودعه بكى أبوه وقال: يا بني أين أطلبك بعد يومي هذا؟ قال: إما في دار الإمارة بالري، وإما بين القتلى.
فلما عرف ركن الدولة خبره كتب إلى أخويه عماد الدولة ومعز الدولة يستمدهما، فسير عماد الدولة ألفي فارس، وسير إليه معز الدولة جيشاً مع سبكتكين التركي، وأنفذ عهداً من المطيع لله لركن الدولة بخراسان، فلما صاروا بالدينور خالف الديلم على سبكتكين، وكبسوه ليلاً، فركب فرس النوبة ونجا، واجتمع الأتراك عليه، فعلم الديلم أنهم لا قوة لهم به، فعادوا إليه وتضرعوا، فقبل عذرهم.
وكان ركن الدولة قد شرع مع المرزبان في المخادعة، وإعمال الحيلة، فكتب إليه يتواضع له ويعظمه، ويسأله أن ينصرف عنه على شرط أن يسلم إليه ركن الدولة زنجان، وأبهر، وقزوين، وترددت الرسل في ذلك إلى أن وصله المدد من عماد الدولة ومعز الدولة، وأحضر معه محمد بن عبد الرزاق، وأنفذ له الحسن بن الفيرزان عسكراً مع محمد بن ما كان، فلما كثر جمعه قبض على جماعة ممن كان يتهمهم من قواده وسار إلى قزوين، فعلم المرزبان عجزه عنه، وأنف من الرجوع، فالتقيا، فانهزم عسكر المرزبان، وأخذ أسيراً، وحمل إلى سميرم فحبس بها، وعاد ركن الدولة، ونزل محمد بن عبد الرزاق بنواحي أذربيجان.
وأما أصحاب المرزبان فإنهم اجتمعوا على أبيه محمد بن مسافر، وولوه أمرهم، فهرب منه ابنه وهسوذان إلى حصن له، فأساء محمد السيرة مع العسكر، فأرادوا قتله، فهرب إلى ابنه وهسوذان، فقبض عليه، وضيق عليه حتى مات، ثم تحير وهسوذان في أمره، فاستدعى ديسم الكردي لطاعة الأكراد له، وقواه، وسيره إلى محمد بن عبد الرزاق، فالتقيا، فانهزم ديسم، وقوي ابن عبد الرزاق فأقام بنواحي أذربيجان يجبي أموالها ثم رجع إلى الري سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة، وكاتب الأمير نوحاً، وأهدى له هدية، وسأله الصفح، فقبل عذره، وكاتب وشمكير بمهادنته، فهادنه، ثم عاد محمد إلى طوس سنة تسع وثلاثين لما خرج منصور إلى الري.

.ذكر عدة حوادث:

في هذه السنة سار سيف الدولة بن حمدان إلى بلد الروم، فلقيه الروم، واقتتلوا، فانهزم سيف الدولة، وأخذ الروم مرعش، وأوقعوا بأهل طرسوس. وفيها قبض معز الدولة على أسفهدوست وهو خال معز الدولة، وكان من أكابر قواده، وأقر الناس إليه. وكان سبب ذلك أنه كان يكثر الدالة عليه، ويعيبه في كثير من أفعاله، ونقل عنه أنه كان يراسل المطيع لله في قتل معز الدولة، فقبض عليه، وسيره إلى رامهرمز فسجنه بها.
وفيها استأمن أبو القاسم البريدي إلى معز الدولة، وقدم بغداد فلقي معز الدولة، فأحسن إليه وأقطعه. ثم دخلت:

.سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة:

.ذكر حال عمران بن شاهين:

في هذه السنة استفحل أمر عمران بن شاهين، وقوي شأنه، وكان ابتداء حاله أنه من أهل الجامدة، فجبى جبايات، فهر إلى البطيحة خوفاً من السلطان، وأقام بين القصب والآجام، واقتصر على ما يصيده من السمك وطيور الماء قوتاً، ثم صار يقطع الطريق على من يسلك البطيحة، واجتمع إليه جماعة من الصيادين، وجماعة من اللصوص، فقوي بهم، وحمى جانبه من السلطان، فلما خاف أن يقصد استأمن إلى أبي القاسم البريدي، فقلده حماية الجامدة ونواحي البطائح، وما زال يجمعه الرجال إلى أن كثر أصحابه، وقوي واستعد بالسلاح، واتخذ معاقل على التلول التي بالبطيحة، وغلب على تلك النواحي.
فلما اشتد أمره سير معز الدولة إلى محاربته وزيره أبا جعفر الصيمري، فسار إليه في الجيوش، وحاربه مرة بعد مرة، واستأسر أهله وعياله، وهرب عمران بن شاهين واستتر، وأشرف على الهلاك.
فاتفق أن عماد الدولة بن بويه مات، واضطرب جيشه بفارس، فكتب معز الدولة إلى الصيمري بالمبادرة إلى شيراز لإصلاح الأمور بها، فترك عمران وسار إلى شيراز، على ما نذكره في موت عماد الدولة، فلما سار الصيمري عن البطائح ظهر عمران بن شاهين من استتاره، وعاد إلى أمره، وجمع من تفرق عنه من أصحابه، وقوي أمره، وسنذكر من أخباره فيما بعد ما تدعو الحاجة إليه.

.ذكر موت عماد الدولة بن بويه:

في هذه السنة مات عماد الدولة أبو الحسن علي بن بويه بمدينة شيراز في جمادى الآخرة، وكانت علته التي مات بها قرحة في كليته طالت به، وتوالت عليه الأسقام والأمراض، فلما أحس بالموت أنفذ إلى أخيه ركن الدولة يطلب منه أن ينفذ إليه ابنه عضد الدولة فناخسرو ليجعله ولي عهده، ووارث مملكته بفارس، لأن عماد الدولة لم يكن له ولد ذكر، فأنفذ ركن الدولة ولده عضد الدولة، فوصل في حياة عمه قبل موته بسنة، وسار في جملة ثقات أصحاب ركن الدولة، فخرج عماد الدولة إلى لقائه في جميع عسكره، وأجلسه في داره على السرير، ووقف هو بين يديه، وأمر الناس بالسلام على عضد الدولة والانقياد له، وكان يوماً عظيماً مشهوداً.
وكان في قواد عماد الدولة جماعة من الأكابر يخافهم، ويعرفهم بطلب الرئاسة، وكانوا يرون أنفسهم أكبر منه نفساً وبيتاً، وأحق بالتقدم، وكان يداريهم، فلما جعل ولد أخيه في الملك خافهم عليه، فأفناهم بالقبض، وكان منهم قائد كبير يقال له شيرنحين، فقبض عليه، فشفع فيه أصحابه وقواده، فقال لهم: أني أحدثكم عنه بحديث فإنه رأيتم أن أطلقه فعلت؛ فحدثهم أنه كان في خراسان في خدمة نصر بن أحمد، ونحن شرذمة قليلة من الديلم، ومعنا هذا، فجلس يوماً نصر وفي خدمته من مماليكه ومماليك أبيه بضعة عشر ألفاً سوى سائر العسكر، فرأيت شيرنحين هذا قد جرد سكيناً معه ولفه في كسائه، فقلت: ما هذا؟ فقال: أريد أن أقتل هذا الصبي، يعني نصراً، ولا أبالي بالقتل بعده، فإني قد أنفت نفسي من القيام في خدمته.
وكان عمر نصر بن أحمد يومئذ عشرين سنة، وقد خرجت لحيته، فعلمت أنه إذا فعل ذلك لم يقتل وحده بل نقتل كلنا، فأخذت بيده وقلت له: بيني وبينك حديث؛ فمضيت به إلى ناحية، وجمعت الديلم، وحدثتم حديثه، فأخذوا منه السكين، فتريدون مني بعد أن سمعتم حديثه في معنى نصر أن أمكنه من الوقوف بين يدي هذا الصبي، يعني ابن أخي؟ فأمسكوا عنه، وبقي محبوساً حتى مات في محبسه.
ومات عماد الدولة وبقي عضد الدولة بفارس، فاختلف أصحابه، فكتب معز الدولة إلى وزيره الصيمري بالمسير إلى شيراز، وترك محاربة عمران بن شاهين، فسار إلى فارس، ووصل ركن الدولة أيضاً، واتفقا على تقرير قاعدة عضد الدولة، وكان ركن الدولة قد استخلف على الري علي بن كامة، وهو من أعيان أصحابه، ولما وصل ركن الدولة إلى شيراز ابتدأ بزيارة قبر أخيه بإصطخر، فمشى حافياً حاسراً ومعه العساكر على حاله، ولزم القبر ثلاثة أيام إلى أن سأله القواد الأكابر ليرجع إلى المدينة، فرجع إليها، وأقام تسعة أشهر، وأنفذ إلى أخيه معز الدولة شيئاً كثيراً من المال والسلاح وغير ذلك.
وكان عماد الدولة في حياته هو أمير الأمراء، فلما مات صار أخوه ركن الدولة أمير الأمراء؛ وكان معز الدولة هو المستولي على العراق والخلافة، وهو كالنائب عنهما؛ وكان عماد الدولة كريماً حليماً عاقلاً حسن السياسة للملك والرعية، وقد تقدم من أخباره ما يدل على عقله وسياسته.